«آلية المثمر».. انطلقت سنة 2018 لضمان إنتاجية أكثر بتكاليف أقل

يشكل المزارعون التقليديون «الحلقة الأضعف» في سلسلة إنتاج قد تصير بدون مردودية مع استمرار التغيرات المناخية وتوالي سنوات الجفاف، ولكن بإمكان هذه الصعاب أن تتحول إلى فرص محفِّزة للنجاح عند الاستعانة بالعلم والعمل الميداني الجاد في الحقول الزراعية.

منذ أن انطلقت سنة 2018، وضعت «آلية المثمر» الفلاح ضمن أبرز اهتمامها، ومع توالي السنوات، ازدادت تجربة المبادرة نُضجا وأصبحت أيضا «سفيرة رائدة» للتقنية الفلاحية المغربية في إطار سياسة اليد الممدودة من المملكة لشعوب البلدان الإفريقية جنوب الصحراء.

متسلحة بزاد البحث العلمي الممزوج بالتجربة الميدانية، تضطلع جامعة محمد السادس متعددة التخصصات (UM6P) وشريكها المجمع الشريف للفوسفاط (OCP) بمهمة تطوير حلول مبتكرة من أجل الحفاظ على فلاحة مستدامة في المغرب، وتعزيز قدرتها على التأقلم مع المتغيرات المناخية.

قد يشكل المزارعون الحلقة الأضعف في الدورة الإنتاجية وأول المتضررين من التغيرات المناخية، لكن ومع رفع أطرها التحدي في مواجهة الصعاب والبحث الدؤوب عن حلول بديلة للتأقلم، فإن «آلية المثمر»، تضع الفلاح في صلب اهتماماتها ليكون له النصيب الأوفر من المواكبة والدعم.

 

«دروس حقلية» لممارسات فلاحية متجددة

«الأكيد أن كل فلاح يستعمل الأسمدة اعتمادا على ما يعرف بالتركيبات الجهوية، لكن غايتنا أن نتجاوز هذه الأخيرة، ونستبدلها بتركيبات مشخصة خاصة بأرض كل واحد منكم»، يقول حمزة الوافي، المهندس الزراعي الذي كان يشرف على «درس حقلي» حضره طاقم تحرير «مجلة الفلاحة»، لمواكبة كيفية اشتغال أطر ومهندسي جامعة محمد السادس متعددة التخصصات (UM6P) وشريكها المجمع الشريف للفوسفاط (OCP) ومواكبتهم ميدانيا للمزارعين.

كان المهندس الزراعي يتحدث إلى مجموعة من الفلاحين في أرض مفتوحة، مهيأة لزراعة البطاطس في منطقة «خميس متوح» بإقليم الجديدة.

ينعقد هذا «الدرس الحقلي» المخصص لتلقين الفلاحين التقنيات السليمة لتسميد الأراضي الفلاحية، بنجاعة وفعالية، عبر تقنية «التركيبة المشخصة».

ينصت المزارعون بإمعان لشروحات المهندس الزراعي تحت سماء مفتوحة، لا يكسر هدوءه غير صوت محراث يخط، قطعة من الأرض، بأخاديد جيئة وذهابا، فيما تلاحق طيور بيضاء اللون سكة المحراث الحديدي بحثا عن الديدان التي تتقلب وسط التراب.

بشأن تقنية «التركيبة المشخصة» حسب المهندس الزراعي، يتعلق الأمر بما يعرف بمزيج الـ«NPK» ، والذي يعني تبعا للحروف، كلا من عناصر الـ«آزوت» والـ«فوسفور» والـ«بوتاسيوم» والتي تعد عناصر أساسية لكل نبتة، إذ تساعد كثيرا في تغذيتها من أجل الحصول على إنتاجية جيدة.

وفي المغرب يجري الاعتماد على 11 تركيبة جهوية خاصة بالسماد الممزوج، بالنظر إلى تنوع الزراعات بين الحبوب والقطاني والزيتون، وهي تنقسم بين ثلاث تركيبات جهوية للحبوب بينما تتوزع باقي التركيبات بين أربع للقطاني ومثلها بالنسبة للزيتون.

إنها تركيبات يعتمد عليها الفلاحون المغاربة، وفق تقطيع ترابي اعتمد بناء على تحاليل سابقة عن التربة في مختلف مناطق المملكة، لكنها أدنى فعالية بكثير من «المشخصة»، كما أثبتت ذلك منصات تطبيقية دائما ما تحرص «آلية المثمر»، على تنظيمها لفائدة الفلاحين لغاية تمييز الفرق بين التركيبتين.

الحصول على «تركيبة مشخصة»، بإمكانها ملاءمة خصائص تربة كل أرض فلاحية، يمر وجوبا عبر تحليل هذه التربة، والغاية الفضلى هي تسميد الأرض بما تحتاجه من نسب من الـ«NPK»  بناء على نتائج التحاليل التي يجري الحصول عليها من مختبرات «آلية المثمر»، المنتشرة في أقاليم المملكة.

وتراهن «آلية المثمر» التي أطلقها المجمع الشريف للفوسفاط، في 2018، واضطلعت “جامعة محمد السادس متعددة التخصصات” بالمضي بها قدما، على مقاربة تشاركية قوامها القرب من أجل تحقيق نتائج جيدة مع المزارعين في مختلف المناطق وضمان إنتاجية أكثر بكلفة أقل.

 

التجربة الميدانية أساس الإقناع

»التجربة هي أساس الإقناع»، هكذا قال عبد الكريم حميد، الفلاح في منطقة »حد ولاد فرج«، وهو يتحدث عن تجربته مع «آلية المثمر» التي تعلم على أيدي مهندسيها الزراعيين ممارسات سليمة للعناية بأرضه.

ما تعلمه هذا الفلاح، المتحدر من جماعة ولاد حسين، يفند ممارسات زراعية تشبع بها سابقا وورثها عن أسلافه، فهو الآن مقتنع بأنه كانت هناك أخطاء فيما يتعلق بتسميد الأرض، لحين اكتشف السر على يد المهندسين الزراعيين وطريقة التسميد السليمة للحصول على إنتاجية أكثر بكلفة أقل.

وزاد قائلا «في البداية، كنا نعتقد أن تحليل التربة والحصول على تركيبة مشخصة هو أمر غير ضروري، كنا نمزج السماد بشكل عشوائي حسب ماتعلمناه من آبائنا واللذين تناقلوه بدورهم عن أجدادنا، لكن التجربة أظهرت أن العلم والبحث العلمي أقوى سلاح يمكن الاعتماد عليه، لبلوغ نتائج جيدة».

عبد الكريم حميد، هو واحد من »المتعلمين الفلاحين» الذين التقتهم» مجلة الفلاحة»، في »الفصل الدراسي» المندرج ضمن سلسلة ما يعرف بـ»المدارس الحقلية»، التي تقيمها «آلية المثمر» لمواكبة الفلاحين من أجل اعتماد ممارسات زراعية سليمة لم يسبق لهم التعرف إليها.

هذه «المدارس الحقلية» تهدف لتمرير معلومات وتقنيات فلاحية، هي نتاج أبحاث ودراسات علمية تقام في «جامعة محمد السادس متعددة التخصصات»، وتتوخى تمكين الفلاحة والفلاحين في المغرب، من آليات للصمود للتكيف مع المتغيرات المناخية، عبر ترشيد استعمال الموارد الطبيعية والعناصر الغذائية.

«لقد كنا نمارس الفلاحة بشكل عشوائي، نعتمد على التركيبات الجهوية، لكن ومع الدروس الحقلية وما تعلمناه، كانت النتائج في المستوى المرغوب، فالآن نسمد الأرض بشكل عقلاني، نمنحها فقط ما تحتاجه، أما بخصوص التكاليف فالأمر محسوم، فهي حاليا أقل بكثير من السابق، والغلة دائما أكبر»، يؤكد يوسف الزاوي، أحد الفلاحين المشاركين في الدرس الحقلي .

«الفرق يلمسه الفلاحون ويعاينونه بأعينهم عندما يقفون على الاختلاف الكبير بين المحاصيل المترتبة عن اعتماد التركيبات المشخصة والتركيبات الجهوية، وهو فرق كبير يهم كلا من حجم الإنتاج وجودة المحاصيل»، توضح فاطمة الزهراء، الشعري المهندسة الفلاحية.

 

من «التركيبة الجهوية» إلى «التركيبة المشخصة»

الحصول على عينات من الأرض لأجل تحليلها يتطلب قبل كل شيء «بروتوكولا» خاصا، وإحاطة الفلاحين في المدرسة الحقلية بالطرق الفعالة، اضطلعت بها، فاطمة الزهراء الشعري، المهندسة الفلاحية التي تمثل بدورها «آلية المثمر» بإقليم الجديدة، ولأجل هذه الغاية كانت تستعمل ما يدرج عليه الفلاحون بـ«البرِّيمة» أو «La Tarière ».

«يلزم أن تكون عينات التربة تمثيلية للأرض، أي أنها تعطي فكرة شاملة عن خصائصها، ولهذا يتوجب الحرص على أخذها من أماكن مختلفة وبطريقة معقلنة، حتى ومن أماكن عشوائية، وهي عملية تتوجب احترام العمق الذي يتجاوز في الغالب 30 سنتيمترا، وحين إعداد الأرض لأجل زراعتها»، كما توجهت المهندسة الفلاحية بالقول للفلاحين.

لأخذ عينات تمثيلية من التربة، عادة ما تعتمل أنماط معينة كاتباع مسار حرف X أو بطريقة متعرجة (Zigzag)، مع تجنب جوانب الأرض، ومن بين المحاذير، عدم أخذ العينات، بعد تسميد الأرض بسماد عضوي كـ”المازير”، وذلك لأنه ينبغي معرفة خصائص التربة بمعزل عن أي مؤثر خارجي قد تكون محط نتائج غير مضبوطة.

وأوضحت فاطمة الزهراء الشعري، أنه على الفلاحين نقل عينات تربة أراضيهم إلى المختبرات التي تضعها «آلية المثمر» رهن إشارتهم من أجل إخضاعها للتحليل من قبل خبراء، يتكلفون بإصدار تقارير تقنية تحدد خصائص التربة، وعلى ضوئها يمكن معرفة ما تحتاجه الأرض بالضبط كسماد ممزوج بناء على النسب المطلوبة من «NPK».

تضع آلية المثمر سبعة مختبرات في مختلف ربوع المغرب، فضلا عن مختبر «جامعة محمد السادس متعددة التخصصات» «UM6P»، وهي المختبرات التي استطاعت، منذ إطلاق المبادرة في 2018، تنفيذ أزيد من 167 ألف تحليلة في تراب 42 إقليم، وهمت مساحة إجمالية تتجاوز 450 ألف هكتار.

«يتطلب الحصول على النتائج الخاصة بتحليل التربة، مدة لا تتجاوز 10 أيام، وهي عملية مجانية، فليس على الفلاح غير أخذ عينة التربة وفق الطريقة الصحيحة، والتوجه إلى المختبر الخاص بـ”آلية المثمر»، وبذلك يتحصل على النتائج التي تخول له الحصول على تركيبة مشخصة»، كما أردف حمزة الوافي، ممثل «آلية المثمر» بإقليم الجديدة.

التوافق بين البحث العلمي وأرض الميدان

تبرز «التركيبات المشخصة»، كحل أثبت نجاعته على أرض الواقع، إذ يكفي الفلاح بعد تسلم تقرير مفصل حول تربة أرضه، التوجه إلى أقرب «خلاط ذكي» للحصول على سماد ممزوج، يستجيب لخصائص تربته، ويوافق احتياجاتها، بشكل فعال، يوضح عبد الكريم حميد، الفلاح الذي رافقته «مجلة الفلاحة» إلى وحدة ذكية.

هذه الوحدة الذكية أو ما تعرف بـ«Smart Blender» تابعة لموزع معتمد من لدن المجمع الشريف للفوسفاط «OCP» وتندرج ضمن سلسلة من الوحدات التي جرى تعيينها، منذ 2018، بالقرب من الفلاحين في مختلف الأقاليم.

ويقوم «المجمع الشريف للفوسفاط»، عبر «باقات تعاقدية» بتزويد شركائه مصنعي وموزعي الأسمدة الفوسفاطية التي ينتجها، بالأسمدة الملائمة حسب الزراعات، إذ تتواجد «الوحدات الذكية» المعتمدة على أنظمة معلوماتية متطورة، في مختلف ربوع المملكة.

ولأن التوافق لازم بين البحث العلمي وما تجري ترجمته على أرض الميدان، تحرص «آلية المثمر»، على إنجاز «منصات تطبيقية»، يجري من خلالها اطلاع الفلاحين بالنتائج المتحصل عليها باعتماد تركيبات مشخصة لأراضيهم وزراعاتهم، والمقارنة بينها وبين نتائج التركيبات الجهوية.

وما زالت «مبادرة المثمر» مستمرة في خوض تجارب رائدة بمقاربة تشاركية قوامها التحسيس والمواكبة لتبني ممارسات فلاحية متجددة.

:::::::::::::::::::::::::::::

المنصات التطبيقية.. نتائج ملموسة

هو تقدم ملموس ذلك الذي تحقق في قطاع زراعة الزيتون بالمغرب، وبفضل تنزيل برنامج “المنصات التطبيقية” الخاص بمبادرة “المثمر”، جرى إنشاء ما يقارب 1000 منصة جديدة خلال موسم 2023/2024 مما يوفر حلولاً متطورة لتحسين الإنتاجية وتدبير المياه في ظل الظروف المناخية الصعبة.

يشكل برنامج المنصات التطبيقية (PFDs) ركيزة أساسية لنقل التكنولوجيا ضمن نموذج “المثمر”، حيث أسهم في إنشاء أكثر من 28 ألف و600 منصة عبر أكثر من 40 إقليماً.

سلطت هذه المنصات الضوء على تأثير أفضل الممارسات الفلاحية في تحسين الإنتاجية وجودة المحصول، وتساعد المزارعين في تبني تقنيات جديدة تتناسب مع الخصوصيات المحلية.

وخلال موسم 2023/2024، جرى نشر 987 منصة تطبيقية خاصة بالزيتون في 24 إقليماً و159 جماعة.

واستهدف البرنامج مواكبة المزارعين وتحفيزهم على تبني ممارسات فلاحية محسنة.

وتفيد الأرقام باستفادة أكثر من 640 فلاح بشكل مباشر، فضلا عن 6 آلاف آخرين تلقوا توجيهاً غير مباشر.

وتبرز طريقة عمل المنصة التطبيقية (PFD) كقطعة أرض فلاحية، حيث يتم تحت إشراف مهندسي “المثمر” تطبيق نهج تقني مستدام، ويرتكز هذا النهج على برنامج الإدارة المتكاملة للمحاصيل (ICP).

وكما انخفض الإنتاج الوطني للزيتون، خلال الموسم الفلاحي 2023-2024 إلى 950 ألف طن، أي بتراجع 11 في المائة مقارنة بالسنة السابقة، فقد تأثرت جميع المناطق بالظروف المناخية القاسية، بما في ذلك سنوات من الجفاف وتغيرات حرارية في الربيع.

ورغم التحديات، ساعدت المنصات التطبيقية على تحسين المردودية، مقارنة بالأراضي التقليدية، فقد شهدت المنصات زيادة في الإنتاج تتراوح بين 19 في المائة و38 في المائة، كما ساهمت في زيادة أرباح الفلاحين، وبلغ متوسط الهامش الربحي 30,363 درهما / هكتار.